2010/08/01

سبعة أيام (ملونة)





-      التاريخ / يوم الجمعة : 13/7/2007 م 
الوقت : قبيل التاسعة مساء.
المكان : الدور الأرضي في أحد الأسواق الكبرى.
الحدث : اقتربت "مريم" من المصعد الكهربائي الأنيق ؛ وهي تدفع أبنتها ذات السبعة أعوام في عربتها المخصصة ؛ وما هي إلا ثوان حتى فتح بابه فولجته وكان فارغاً إلا من رجل وزوجته وبرفقتهم ولدهم الصغير ؛ وبنظرة سريعة لاحظت أن الصغير يعاني من "الشفة الأرنبية" ؛ فأخذت تختلس النظر له وهي تتساءل : { أترى من الأشدُ إعاقة ً؛ " آلاء " أم هذا الصغير ؟ } ولم تستفق من خيالاتها إلا على باب المصعد يُفتح ؛ فإذ بالأسرة تخرج ثم وضع الزوج يده أمام الباب ؛ لتتمكن هي من الخروج بيسر وسلاسة , فدفعت عربة ابنتها أمامها وهي تتمتم : { استغفر الله وأتوب إليه } ؛ وبسير أشبه بمن اعتاد الأمر وصلت لمطعم محدد ؛ وطلبت وجبة مخصوصة ولم تنس أن تطلب أخرى لـ "آلاء" ؛ وأخذت وهي تنتظر تجهيز طلبها تسترجع ذكريات خلت ؛ وكأن الأمر ضايقها فانحنت على طفلتها لتعيد ترتيب ملابسها ؛ ثم استلمت عشاءها وقد دفعت القيمة وفوقها زيادة بضعة ريالاتٍ - بنية طلب الشفاء لصغيرتها المسكينة – وبيدها اليسرى حملت الأكياس واتجهت لإحدى الطاولات في زاوية قصية ؛ وبعد أن جلست قرّبت ابنتها من كرسيها ؛ ثم نظرت لعينيها الصغيرتين وبالكاد التقت العيون ببعضها ؛ - فـ "آلاء" مصابة بضمور في المخ لا تسطير وحالتها كذلك على حركاتها ولا أطرافها – وقالت لها بصوت هامس { آلاء : بسم الله الرحمن الرحيم } بعد ذلك أخذت تطعمها برفق ولين ؛ وعلى مهل وبطء ؛ ولما انتهت أخذت من حقيبتها الخضراء منديلاً معطراً ومسحت به يديَّ الصغيرة وشفتيها ؛ ثم شرعت هي في تناول وجبتها وقد بردت أو كادت ؛ فعادت لها الذكريات الأليمة مرة أخرى ؛ تذكرت مولد "آلاء" وما قاله الطبيب المختص ؛ استرجعت وقع الصدمة عليها وردة فعل "سلمان" – طليقها – البشعة على الخبر الأليم ؛ نعم كانت ردة فعله بشعة ولا تليق بأبٍ يفترض أن يكون رحيماً بفلذة كبده و ... تنبهت على صوت همهمة معتادة ؛ فإذ بـ "آلاء" مضطربة ؛ وكأن الصغيرة ملت من المكان بصخبه وإنارته الصفراء ؛ أو ظنت أن أمها الرءوم لهت عنها ؛ وبحركات سريعة لملمت بقايا الأكل وأعادت ترتيب عباءتها وتأكدت - للمرة الثالثة – من هندام صغيرتها ؛ ومضت خارجة ...


-         التاريخ / يوم الأحد : 15/6/2008 م
الوقت : السادسة والربع مساءً.
المكان : شقة " مريم " الصغيرة.
الحدث : كان  "أحمد" أخو "مريم" يتحدث بحماس وهو يتناول قطعة الكعك من يدها ويقول : { صدقيني يا أخية أن " صالح " رجل مناسب ؛ لقد سألت عنه فتأكدت بأنه - بالإضافة لالتزامه - " حلو المعشر ؛ كريماً ؛ طيب القلب ؛ حنوناً ...  قاطعته " مريم " : { ما الفرق بين طيبة القلب والحنان ؟ } مسح "أحمد" شفتيه بأصبعيه وكأن السؤال ضايقه وقال : { هكذا هي أنت ؛ تجيدين تغيير الموضوع بأسئلة عجيبة ؛ سأختصر عليك الأمر ؛ "صالح" خطيب من الصعب رفضه ورجل من الأصعب تعويضه والفرصة لا تأتي مرتين ؛ وقد أكد لي مراراً أن "آلاء" بمنزلة أولاده الأربعة وأنه يحلم بموافقتك على طلبه الاقتران بك ؛ فما ردك ؟ } سكتت "مريم" برهة وأغلقت عينيها قليلاً وأجابت قبل أن تفتحهما : { اعتذر له بأسلوب جيد ؛ قل له : بأنها لا تفكر حالياً بالزواج وحتى لا تقاطعني سائلاً إلى متى ؟ دعني أخبرك وأخبره بأن "آلاء" هي دنيتي وراحتي ولن استطيع أن أفرط بهما ولا أظن مخلوقاً سيعوضني عنهما } قاطعها "أحمد" { هما من ؟ } أجابت : { راحتي ودنيتي " آلاء " حبيبتي } وابتسمت ! تردد "أحمد" في التعليق وإن كان قد اتضح على وجهه الغضب ؛ فلم تشأ أخته أن تغضبه وهي موقنة بأنه يبحث عن مصلحتها وينشد راحتها فقالت وهي تشيح النظر تجاهه : { "أحمد" حبيبي ؛ أنا راضية بنصيبي ؛ وقد ملكت علي "ألاء" وقتي وقلبي ؛ وزواجي مرة أخرى يعني إهمالي لزوج المستقبل أو تخليً عن كنزي وجوهرة قلبي ! وهذا الشيء لم ولن اسمح به أبداً ؛ لقد طلبت الطلاق من أبيها وأصررت عليه لما رأيته منه من إهمال لها وقسوة معها ؛ أتعلم أنه لم يكن حتى – والله – يقبلها ! } وهنا ترقرقت عينيها بالدموع وانتحب صوتها ؛ فاضطرب "أحمد" ولم يدر ما يفعل سوى أن يقول وهو يدافع دموعه : { وأين "آلاء" ؟ لقد أحضرت لها لعبة جمـ ... } ورأي أخته تشير لناحية غرفة ليست ببعيدة وقد تساقطت دمعاتها فبللت وجنيتها وهي تغطيهما بيديها ؛ فقفز مسرعاً وهو ينادي : { "آلاء ؛ آلاء" ... أين أنت يا حبيبتي ؟} وكأنه ينتظر منها أن تجيبه وأنى لها أن تفعل ...

-         التاريخ / يوم الثلاثاء : 4/3/2003 م
الوقت : الرابعة والثلث عصراً.
المكان : منزل "سلمان" الجديد.
الحدث : "سلمان" يصرخ بانفعال واضح وهو يدلف غرفة النوم و "مريم" من ورائه : { كفى يا امرأة ؛ ألا تمل وتكلي ؟ ألا تعلمي بأنني للتو عدت من عملي الشاق ؟ } لترد عليه "مريم" بهدوء عجيب { نعم أعلم بأنك متعب بعد نهار شاق وعمل مضن ؛ لكن ما عساي أن أفعل و"آلاء" تبكي منذ ساعة كاملة ؛ أأتركها تتألم ؟ أم أستقل وإياها سيارة أجرة تأخذنا لطبيب الأطفال في هذا الجو الحار لأجل أن ينام أبوها ؟ } – وشدت شفتيها وهي تنطق أحرف الكلمة الأخيرة – عقب "سلمان" ساخراً : { وما أدراك بأنها تتألم ! أن بكاءها لم ينقطع منذ ولادتها أي منذ نحو ثلاث سنوات } ردت عليه "مريم" : { جيد أنك تعلم سن ابنتك ؛ لكن تذكر بأني أمها والوحيدة التي تشعر بها } فقال "سلمان" لم أنس بأنك أمها ومترجمتها الخاصة و ... } قاطعته : { هذا أنت ؛ حتى أبنتك الوحيدة تسخر منها ولا ...}  قاطعها هو هذه المرة : { أسخر منها ! من يقول ؟ ألست تقولين بأنها عرفت تنطق كلمة "بابا" ؟ و ... } عادت لتقاطعه : { نعم قلتُ واذكر أنك وقتها علقتَ بجملة تموجُ سخرية حين قلتَ : وما ذا بعدُ قالت ؟ } زفر "سلمان" وقد أحمر وجهه ضيقاً وقال وهو يخلع غترته ويبدأ بفتح أزار ثوبه : { لا فائدة ؛ نفس أحكامك المعلبة ضدي ونفس اتهاماتك لي } ؛ قالت وهي تغالبُ أعصابها أن تفورَ - وقد كادت - : { أحكام معلبة ! أتدرك معنى هذه الجملة ومتى تقال ؟ } ضحكَ بسخرية وقد بدا صوته كمن أنهك وقال : { عدنا للفلسفة ؛ سأختصر عليك الأمر ؛ أنا مرهق وسأنام ولما أصحو قد أذهب بابنتك فلا تزعجيني وأغلقي الباب خلفك ! } هنا فقط لم تتمالك "مريم" نفسها فصرخت : { الأمرُ يحتمل قد ! يا رجل اتق ِالله في ابنتك ؛ ألا يكفي أنك حرمت أمها من تكرار الحمل خشية أن يتكرر المرض ! رغم تأكيد الأطباء بأنه يمكن مراقبة الجنين من بداية الحمل ومعرفة إصابته بالمرض الوراثي من عدمه والحد – بقدرة الله – من آثاره } أشار لها بأصبعه وقد استلقى بالفعل على السرير : { هذه أنت اعترفت ِ؛ بأن الأطباء قالوا بأن المرض أشبه بالوراثي رغم تباعد أسرتينا نسباً ؛ ولذلك فلستُ مستعدٌ لتكرارِ التجربةِ وأقسم أن لا أفعلَ } عقدت "مريم" يديها على صدرها وكأنها تحاول السيطرة على كلامها وقالت : { سلمان ؛ لقد فكرت في الأمر ملياً ؛ لن استطيع أن أبقى معك وأرعى في نفس الوقت "آلاء" لأنك ... } فقال لها وقد عاد لصوته سخريته ولم يركز جيداً في كلامها : { إذن دعينا ندخلها مستشفى متخصص ونريح أنفسنا } فهزت رأسها أعلى وأسفل وهي تقول بكل ثبات : { أجل ... لنريح أنفسنا ... لقد آن الأوان لنفعلَ ! } حينها نهَضَ "سلمان" من رقوده وجلس وهو يحدق بعينيه الناعستين وقال : { ما الذي تقصدينه ؟ } أجابته بكل ثبات : { "سلمان" لا تدع ِ الغباء ؛ وطلقني ! } ؛ هبَّ واقفاً وصرخ : { أجننتِ يا "مريم" ؟ } ردت عليه : { بل أنا بكامل قواي العقلية } فلم يعلق لأول وهلة وأخذ ينظر لها ثم قال : { أرجوك ؛ دعي هذا الأفكار الشيطانية ؛ وأعدك بأن أهتم بـ "آلاء" و ... } هزت رأسها علامة النفي ورددت : { لا ؛ لا ؛ لا ؛ لقد انتهى كل شيء وحسمت الأمر فلم أعد أطيق صبراً ولم يعد لي رغبة بك } ... وهنا استفاقت "مريم" من بحر الذكريات على رنين هاتفها الجوال ؛ واسم أخيها "أحمد" يومض على شاشته ..

-         التاريخ / يوم الخميس : 21/5/2009 م
الوقت : تمام الحادية عشرة مساءاً.
المكان : مطعم عالمي على ناصية شارع تجاري في قلب المدينة.
الحدث : "هناء" – زوجة أحمد وشبيهته في الطيبة –تقلب بصرها بين زوجها وشقيقته ؛ وهما يتناقشان للمرة الرابعة أو الخامسة – ليست متأكدة – عن فكرة زواج الأخيرة ؛ وكأن النقاش وقت الأكل ضايقها ؛ فأرادت التدخل لتنهيه بظنها وقالت : { اسمح لي يا "مريم" ؛ فـ "أحمد" هذه المرة محق ... } ضحك "أحمد" وهو يقول : { هذه المرة ؛ فقط ! } ألتفتت "هناء" تجاهه وهمّت بتوضيح مقصدها بكل عفوية ؛ إلا أن صوت "مريم" زجرها أن تفعل حين قالت : { "أحمد" إن لم تغلق النقاش في الموضوع ؛ فسأضطر للانصراف ... } فسارع "أحمد" ليوضح موقفه وقال : { حبيبتي – وألتفت هنا تجاه "هناء" وهو يؤشر بأصبعه السبابة علامة النفي فقطبت الأخيرة حاجبيها حتى ليخيل للناظر أنها حنقت من تسمية زوجها لغيرها بـحبيبته – لكنه واصل حدثيه قائلاً : { إن لنفسك عليك حق ؛ وما مضى لا يعود ؛ وقد كبرت "آلاء" دون تقدم واضح  علاوة على أن المربية "أم علي" ترعاها كما لو كانت أبنتها } رددت "مريم" بسخرية ظاهرة : { هه دون تقدم واضح – وهزت كتفيها – و "أمينة" ترعاها ! } وعم الصمت لثوان ٍ ثقيلة ؛ قبل أن يقطعه صوت "هناء" وهي تكاد تهمس قائلة : { "مريم" تعلمين شدة حرص "أحمد" على مستقبلك ؛ وأن التفكير فيك وبابنتك يشغل فكره ؛ ولو يكن متأكداً من كون "صالح" الزوج المناسب لك والأب الصالح لأبنتك لما أصر عليك بقبول طلبه وكرر عليك الكلام في نفس الموضوع ؛ هل أقسم لك أنه يكرر اسميكما – "أنت وآلاء" – في أثناء نومنا ؟ " تبسمت "مريم" - رغم ضيقها الواضح من الموضوع – لطيبة زوجة شقيقها التي لم تجد تعبيراً أحسن من كلمة ( نومنا ) ؛ وأمسكت بيد "هناء" اليسرى وبيد "أحمد" اليمنى وقالت : { الله لا يحرمني منكما ولا من "آلاء" ؛ صدقاني لست أجد بنفسي الرغبة في الزواج ؛ و "صالح" كما علمت منك يا "أحمد" رجل نادر ؛ فلا أود أن أظلمه حين يقترن بامرأة غير مستعدة لتلبية طلباته وتربية أولاده ؛ ثم – وهذا الأهم – أن جوهرتي لم يهتم فيها أبوها فهل سيفعل ذلك الغريب ؟ } ثم أكملت حديثها دون أن تدع الفرصة لهما لمقاطعتها : { ربي أكرمني بـ "آلاء" التي صارت شغلي الشاغل ؛ خصوصاً وقد بدأت – وليس كما يزعم "أحمد" فأحمر وجه الأخير خجلاً – بدأت ... تعبر عن شعورها بصورة مفهومة – لي على الأقل ؛ فما تريده تهزه رأسها عند ذكره بشكل بطيء ؛ وما ترفضه تطوح بيدها في الهواء بمعنى أنها ترفضه ؛ كما أجادت بكل براعة التعامل مع جهازها الخاص , أتعلمان ... لما أكملت ( صغيرتي ) سن التاسعة قررتُ أن تصبح صديقتي ؛ وصرت أحدثها عما يصادفني في عملي ؛ وأسمعها – كل يوم - ذكريات جميلة لي عندما كنت في مثل سنها ؛ كما أنني أقص عليها وقت نومها قصص جدتي – رحمها الله – واعتادت هي أن أفعل ؛ فصارت تبكي عند تأخري في فعل ذلك ! ... آه صحيح ؛ - قبل أن أنسى - أتذكر وعدك لي يا "أحمد" بأن يكون عشاء الليلة على حسابي الخاص ؟ } عند ذلك نظر "أحمد" و "هناء" تجاه بعضهما ويديهما ما زالت في يديَّ "مريم" وكأن لسان حالهما يقول : { لا فائدة ؛ "آلاء" قد تملكت شغاف قلب "مريم" حتى لم تعد تفكر بنفسها ! } ولذلك فلا يُستغرب أن خيم الصمت على المكان ولدقائق طويلة حتى انتهوا – ثلاثتهم – من تناول العشاء ...

-         التاريخ / يوم الأربعاء : 12/8/2009 م
الوقت : الثامنة والنصف مساءاً.
المكان : شقة " مريم " الصغيرة.
-         الحدث : تحلقت صويحبات "مريم" من حولها وهن يستمعن لحديثها العذب – كعادتها وعادتهن – وكانت "وفاء" بالذات تطيل النظر لها وهي تحدث نفسها { كم أغبطك يا "مريم" فرغم ألمك تأسرنا ابتسامتك ! وعلى كبر همك تشيعين الأمل والفأل على من حولك ! } كانت "مريم" تقص عليهن - مسترسلة - نبذاً من شقاوتها وطرفاً من نوادرها فلا يقاطعها سوى ضحكاتهن وقد علت ؛ وكانت "نادية" الأكثر ضحكاً من بينهن وربما لحلاوة روحها دور في ذلك ؛ وعاد التعجب لـ "وفاء" وربما تحول في هذه اللحظة لأسى ؛ حين تساءلت : { إلى متى يا "مريم" تنسين نفسك ؛ وحتى متى تهملين حالك ؛ وقد غدوت كالوردة التي مصيرها – ولا محالة – للذبول ؛ ما لم تجد عناية ورعاية من بستانيٍّ حان ٍ؟ } وهنا رنَّ جرس الهاتف فنهضت "مريم" مسرعة لترد ؛ وخطت خطوات عجلى وهي تنظر لساعاتها ؛ وسمعتها "وفاء" تقول لمحدثها : { ... حسنٌ جداً ؛ أنهيت كل الإجراءات ؛ ومتى بوسعي أن استلم الأوراق ؟ ... أممم أسبوعين ! ؛ لا بأس ... شكراً لك أستاذ "يوسف" ألف شكر وآمل أن ترسل من يستلم الشيك الخاص بأتعابك ... } وبعد إنهاءها للمكالمة عادت بخطوات واثقة واتخذت مكانها الأول ؛ وابتسمت وهي تقول : { أين وصلنا ؟ } ولما همت "نادية" بالإجابة ؛ سألتها "نورة" – وهي أكبرهن سناً وأكثرهن حكمة وتجربة - : { من بعد إذنك ؛ هل المتصل هو "يوسف" المحامي , صديق زوجي – رحمه الله - ؟ } أجابتها "مريم" وما زالت ابتسامتها تعلو وجهها : { أي نعم ؛ ولا تدرين كم دعوت لك فقد كفيتيني مؤنة البحث عن محام حاذق وأمين ؛ لقد أنهى الأمر في أقل من أسبوع ويقول بأن الأوراق سأستلمها خلال أسبوعين } عقبت "نورة" : { لا شيء من واجبك ؛ ثم أن "آلاء" ابنتي كما هي ابنتك } وهذه المرة تداخلت معهن "نادية" وسألت : { محام ٍ وأوراق وأتعاب و"آلاء" أميرتنا الصغيرة ... ما الأمر ؟ } شبكت "مريم" بين أصابعها وقالت : { أبداً ؛ لقد قررت كتابة نصيبي في محل والدي – رحمه الله - باسم "جوهرتي" وتبرعت برعاية خمسة أيتام لمدة عشر سنوات وأرسلت أوراق وتقارير "آلاء" لمستشفىً متخصص في ألمانيا } فضحكت "نادية" وهي تقول : { كل هذا ونحن آخر من يعلم ؟ } ولم يرق ضحكها لـ "وفاء" وهي تسأل : { أما التبرع وطلب العلاج فمفهوم ؛ لكن ... لمَ وهبت نصيبك في محل والدك لابنتك ؛ خاصة ًونحن نعلم بأن شريكك هو أخوك "أحمد" } فأجباتها "مريم" باختصار مؤلم : { سوى الله ؛ لا أريدها أن تحتاج أحداً من خلقه } اتسعت عينا "نورة" و "وفاء" , وبدت "نادية" لم تفهم أو أنها لم تركز لانشغالها بقراءة رسالة جوال يبدو أنها من زوجها العصبي "عبد الرحمن" , وكان أول من قطع حبل الصمت – الغير معتاد في اجتماعهن الدوري – هي "مريم" نفسها ؛ إذ نهضت لتعيد ملأ أكواب القهوة وعلت وجنتيها حمرة خفيفة وهي تقول : { اعتذر منكن ؛ لقد أنساني الاتصال واجب الضيافة } فعلقت "وفاء" : { لا عليك ؛ فنحن صاحبات دار ؛ لكن ... فسري لنا سر مقولتك الأخيرة وحتى لا تتساءلي عن أي مقولة أتحدث - وتغيري الموضوع وأنت خير من يجيد ذلك – سأكررها لك : " سوى الله ؛ لا أريدها أن تحتاج أحداً من خلقه " ؟ } علقت "مريم" وهي تمد يدها بكوب القهوة الساخن لـ "وفاء" : { عبارتي واضحة ؛ فالأعمار بيد الله ؛ وأريد أن أوفر لـ "أميرتي" حياة كريمة ؛ ولا يعلم المرء ما يحدث له غداً } فغرت "نادية" فاها وقد سمعت العبارة ولم تدر ما قبلها ؛ في حين بادرت "نورة" لتقول : { حبيبتي : أطال الله في عمرك ؛ ما أعلمه أنك مؤمنة بالله سبحانه وبرحمته جل وعلا ؛ ثم أن أخوك "أحمد" يحبها كابنته "رند" تماماً و ... } صرخت "نادية" كمحاولة منها – فاشلة – لتؤكد تركيزها في حديثهن : { "مريم" لا تنسي أن لـ "آلاء" والد ميسور الحـ ... } ولم تكمل جملتها لما رأته من نظرة ثنائية موبخة من "نورة" و "وفاء" ولآن "مريم" نفسها توقفت في مكانها وقد اختفت ابتسامتها جميلة وحل محلها نظرة تعجب مشوبة بألم وهمست بصوت خافت كمن يحادث نفسه { نعم ؛ يجب أن لا أنسى أن لـ "غاليتي" والدٌ لم يكد يطلق أمها حتى تزوج وهاجر ! ؛ والدٌ كان يستغرب شرائي لفستان أول عيد لها ؛ ويبرر استغرابه  بتبرير غبي ؛ أنها معاقة ولا تعي ! ... } ولحسن الحظ انتهى الموقف قبل أن يتطور ويفسد سهرتهن الماتعة ؛ حين سمعن الخادمة تخبرهن أن العشاء جاهز ...


يتبع ...

9 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق