2010/01/23

دمعة في مفترق الطريق


حقيقة لا أدري سرَّ ذلك الشعور الذي انتابني و أنا انظر إليها ! ولا أعلم حتى اليوم كيف امتزجت تلك المشاعر المتضادة فكونت هذا الشّعور العجيب ؟ ، الذي أعلمه فقط هو أنني منذ الوهلة الأولى قد وقعت في غرامها ! وبتُّ لا أتصور نفسي قادراً على العيش بدونها ! بل لا أبالغ إذا قلت بأنني لم أعد مستطيعاً العودة إلى منزلي من غيرها ! وهل يقدر المرء منا على فصل روحه عن جسده ؟ ، فوقفت أحدق بها من خلال الزجاج حتى إنه ليظن من يراني بأنني آكلها أكلاً من خلال عيني ! ، وطفقت أتخيل نفسي وقد زفّت تلك الفاتنة إليّ ، وجعلت أتساءل : أيعقل أن يوجد هذا ( الملاك ) بيننا ؟ ثم كيف لم أنتبه لها وأنا أتردد على هذه المنطقة بشكل يومي ؟ أهي مقيمة جديدة أم زائرة عابرة ؟
ولكن كل ذلك لا يهم ! المهم هو أن اظفر بها بأي شكل من الأشكال ، ولم أكذب خبراً ، فما إن عدت إلى منزلي إلا وكلمت والدتي والتي كادت أن تطير من الفرح ، وتكفلت بنقل رغبتي إلى والدي ، فوعدني خيراً بشرط أن أتجاوز المرحلة الدراسية بتقدير ٍ لا يقل عن < الجيد جداً > بحال ٍ من الأحوال ، فكنت أواصل الليل بالنهار ، وأنا أعد الأيام يوماً بعد يوم ٍ وقد تأثرت صحتي وازداد نحول جسمي ، وبدت مظاهر السهر والإرهاق بادية على وجهي , وخشيت أمي علي من الهلاك , فكانت تترجاني أن أخلد للنوم كلما رأتني , ولم تترك نصيحة أو موعظة إلا ووجهتها إلي , ولكن كل ذلك لم يفت في عضدي , ولم يزدني إلا حماساً وقوةً ونشاطاً , وصار شعاري :


لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

وجاء اليوم الموعود ... ودخل أبي المنزل فرحاً مسروراً تنطق أسارير وجهه بالحبور والفخر , وبعد قبلات جذلة , وعناق قصير , أشرت بطرف عيني لوالدتي , ففهمت قصدي وعرفت مرادي وعلى الفور ذكّرت والدي بوعده فضرب على صدره بقبضته وهو يقول : " أنا لها وأنا أبو خالد " , وانطلق من فوره ! حتى أنه لم يفكر للحظة ويسأل نفسه هل الوقت مناسب أم لا ؟ وفي الطريق أخذت دقات قلبي تتسارع , وأمواج أحلامي الوردية تتلاطم , وجعلت أعد الدقائق عداً , وأنا أتخيل القصر الذي سأبنيه وكيف ستكون حديقته ... ولم أفق من أحلامي تلك إلا على صوت والدي وهو يقول :
" هاقد وصلنا " ونزل لوحده مسرعاً وبقيت في السيارة منتظراً الإجابة ولم يطل الوقت حتى خرج والدي وهو يضرب كفاً بكفٍ وقد أسّود وجهه , ولما طال صمته سألته : " ما الأمر يا أبي ؟ وأين فاتنتي ؟ ... فأجابني وهو يدير عجلة القيادة : " آسف يا بني ... ! لكن صاحب المحل أقسم لي بأن ما سبق ورأيته كان آخر ما لديه , وأن المصنع وعدهم بإرسال دفعة جديدة بعد ستة أشهر من الآن ... " عندها دارت الدنيا بي , وأحسست بسكين تمزق قلبي الصغير , ولم أشعر إلا بدمعة تسللت من عيني رغماً عني ... وكنا في مفترق الطريق.*

Sa3uD
* //شتات قلم  لخطوات أولى متعثرة //عام 1419هـ تقريباً في المرحلة الجامعية

2 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق