2010/02/01

أصفاد للحرية



بأصفادي الثقيلة ... أسير في طريقي الوحيد ... مسير ومخير  ...
وقد تقطعت أنفاسي - أو كادت - ...
وعلت زفراتي ... فلم أعد أسمع سواها ...
في طريق طويلٍ مريبٍ بل مخيف  ...
تلاطمت فيه خيالاتي ... واختلطت نواياي  ...
وتشتت فكري ... وتبعثر ذهني  ...



وهذه الأصفاد  - رفيقتي منذ مولدي -
على الرغم من أنني لا أبصرها ...
إلا أنني - بالطبع - أشعر بها ؛ تكبلني وتعيق من مسيري ...
لكن - والحق يقال - ليس على الدوام ...
بدليل أنني في لحظات سعادة - وما أقلها - أنساها !

 
أصفاد ثقيلة مؤلمة ...
تنوعت بين : أحلام بعيدة ... وأماني مستحيلة ...
وافترقت بين رغبات منوعة ... إلى شهوات محرمة !
وحتى نوايا الخير والشر ...
كلها في النهاية أصفاد من نوع أو آخر ...


هذه اللحظة وأنا أدوّن ما سبق ... تسللت إلى ذهني المتعب ...
غيمة حلم وردي صغير ... لازمني وأنا ابن العشرين ...

أن أفوز بتلك الجميلة ... // حنين //
يا الله ... ما زال طعم لقائها العذب يتسلل لشفتي العطشاوين ...
وحتى الآن ... أشعر بقلبي المنهك ... ينبض بحبها وحدها ...

 
مهلاً ...
ما دامت المساحة لي ...
والأصفاد بي ...
فلأحدثكم المزيد عن // حنين // ...
حتى أقارب - على الأقل - من الارتواء فقد طال عطشي ...
ولم يكن يرويه ... سواها !


// حنين // يا سادة ... ملاك في صورة إنسان ...
شرحت لي - دون تدخل منها - معنى :
" لكلٍ من اسمه نصيب " ...
فكنت أهرع لها ؛ كلما ضقت أو تعبت ... ؛
وأهرب إليها - وما أكثر ما أفعل - ... وقتما اغتممت أو غضبت ...
كنت أراها بلسماً شافياً لكل جرح ؛ وأجدها دواء ناجعاً لأي داء ...


نعم ...
 ... كذلك كنتُ أنا ؛
وهي كذلك كانتْ ...
وقد كان يكفيني منها :
 لمسة تزيح همي ...
وابتسامة تخفف ضيقي ...
فكيف بها تؤنسي وتضاحكني !!!
لك الله يا // حنين // ما أروعك.


... لحظة ؛
لم يخب ظنكم ...
إذ الأصفاد – إياها - لم تـَدَعْنِ ِاهنأ ... بـ " فاتنتي "
ولم ترتح ... حتى فرقتني عن " قلبي "
أي – والله – فعلت ذلك ؛ وعن تعمد وترصد !

أوه ...


يبدو أنني نكأت جرحاً قديماً ...
حتى ليخيل لي أن طيف هذا الحلم قد زال بهذا النكء ...
جرح كنت أظنه قد طوى ... وذكرى باكية لأعين قد نضبت ...
يا إلهي ...
ما أشده من ألم ... وما أقواه من وجع ...
لجرح يعيدني كلما استحضرته لنقطة الصفر ...
وبكاء يوجعني حتى أبدو كما الطفل ...


أرجوكم ... لا تستغربوا !
وقولوا لي – بربكم – ما يعني " الجرح والذكرى "
سوى : استحضار الألم ؛ وما يعقبه من بكاء !
فسبحان من جعل من تلك // الحسناء // :
مصدراً لأملي وألمي ...
ومنبعاً لجرحي وبلسمي ...
!!!


لا ... ليس منها وحدها ...
ولا يحق لي أن ألومها : – إذ لم أعتد أن أفعل -
حين تزوجت من رأته فارساً لأحلامها ...
ولم تنتظر أو حتى تعترف ؛ بأني :
أول " عشاقها " ... وأصدق " أحبابها "
فنسيت كل عهد قطعته ...
ونكثت أشرف يمين أقسمت بها ...


أتعلمون يا أحبة :
ما المؤلم حقاً ... ؟
أنه ببساطة – وما أبغضها من بساطة - :
" أن يتضح لكم أن ما حلمتم به بداية ...
هو في حقيقته نهاية ... وأي نهاية "

و ...
بخطى متعرجة ...
حاولت أن أنسى تلك " الصدمة "
وبذلت جهدي أن ألملم شتات " قلبي "
وأن أدمدم عميق " جرحي "
ولم أملك حينذاك ... سوى أن قررت الرحيل
عن قريتي الجميلة ؛ فكل ما فيها يذكرني بتلك // الحبيبة //


وهنالك - في دار الغربة - صببت كل لومي وجميع سخطي ...
على : تلك الأصفاد الكريهة ...
التي كان لها الدور الكبير ...
في حرماني من حلمي الأول وملاكي الطاهر ...

وكان فعْـلي هذا - أعني ارتحالي - ؛
خطئي الكبير !
وألمي المرير !
إذ انفردت تلك " القاسية " بي
حتى وقعت – لفرط غضبي وكثرة بكائي – في خطأ أكبر
فكنتُ كلما زدت في لومها ؛ وأطلت تقريعها ...
 خُيل لي أنها تزداد ضحكاَ وسخرية !


فأصبتُ بذلك الشعور المقيت ...
أعني :
أن يسخر خِلـّكْ من ... ُحلـُمِكْ !
ويا لعجائب الأقدار ...
أن يكون خلّ المرء أصفاده !
وحلمه هو في حقيقته ... عذابه ...
ثم يسخر أحدهما من الأخر !
ولكن من منا يملك تغيير قدره ؟


وهنا ... اسمحوا لي ؛ أن أعود للبداية ...
لحظة التقائي – لأول مرة – بتلك الأصفاد ...
حينما كنت في الثالثة من عمري – أو دون ذلك بقليل - !
لما بدأت أعي الكلام وأفهم الملام ...
وأبصرت الأصفاد بشكلها البشع ...
فأصابني رعب شديد ...


لا ...
يحسُن بي أن أكون أدق وصفاً ؛
وأصدق عبارة ؛
فشعوري تجاه تلك الأصفاد ...
كان وما زال شعوراً واحداً متوحداً
يتلخص في " الكره والمقت الشديدين "


ولا تثريب عليَّ !
فأنا في النهاية " طفل "
ولذا فقد كانت ...
تقهرني الأوامر ؛ وتبكيني النواهي ...
وليس لي أي حق في أن أفهم !
أو حتى أن اسأل !
فقط : " أفعل كذا ولا تفعل كذا " ؛ و " قل ذاك ولا تقل ذاك " !


هكذا ... مجرد آلة لتنفيذ ما أؤمر به !
والامتناع عما أنهى عنه !
وجميع من يكبرني له كل الصلاحية في أن يصفدني !
بأصفاده التي معه : " متنوعة " كانت أو " متعددة " ...
بل ربما " متناقضة " أو حتى " متنافرة " !
أما أنا فقد كنت مجرد " طفل سجين و ... مصفد "
بلا حول ٍ له ولا قوة !


وكان أكثر ما شد انتباهي ...
أن كل من كانوا حولي ؛ لم يلتفتوا لسني !
ولم يهتموا لبراءتي !
لم يقدروا جهلي !
ولم يعوا ضعفي !
ولم يكن ذلك يهمهم !
فالمهم – بظنهم – أن لا أخرج من سجني ...
وأحّطم أصفادي ...
طلباً لحريتي !

بعد ذلك ؛ راهقت وناهزت الحلم ...
فازدادت مقاومتي لأصفادي ؛
بل لا أبالغ أن قلت أنني رفضت معظمها !
ولم أضعف سوى تجاه أصفاد الدين والفطرة ...
وربما كان إدراكا – مبكراً – مني بأنها كانت ليَّ لا عليَّ ...
أما سواها ... فقد تمردت عليها !
وكنت أنافح بقوة – كما أظنه إذاك – عن فعلي ...
وحجتي واحدة لا تتغير ...
" أن كل صفد منها ؛ قابل لإثبات العكس " !
ولم استمع لنصيحة واعظ ...
أو حتى أهتم لأمر من هو راشد ...
بأن أقرَّ للأصفاد بما أسموه " قدسيتها "
بل – إخالني – صرت أتعمد مخالفتها ...
لأثبت – لنفسي قبل غيري – أنني أصبحت " حراً "
ولكنني ... لم أطق على ذلك صبراً !
وأتحدى – من في مثل سني – أن يفعل !
بأن يسبح – وهو الغر المراهق - بعكس التيار !

وبعد رحلة " حنين " ؛ طويت عدة سنين ...
وحالتي – ويا لشقائي – مع أصفادي ...
ما فتأت تراوح بين " شد " و " جذب " !
وفي خضم تلكم " العواصف " ...
وقد بلغ بي الألم والتعب وربما اليأس كل مبلغ ...
تذكرت : " من كان ذا حيلة فليحتل " !
وعزمت على التنقل والترحال !
وهو ما كان ...
فأحسست في أول الأمر بالحبور ...
لأن الأصفاد – المقيتة – تغيرت وتبدلت !
وأوهمت نفسي ؛ بأن أصفاد هذه البلدة أهون من صاحبتي


وما هي إلا شهور قليلة ...
لأدرك أن ذلك – كله – كان وهماً ...
وأن الأصفاد ستظل أصفاداً !
ولو تغير كل ما فيها ؛ ما دامت تحمل صفة " القيد "
و" الحبس " ... عن " الحرية ".



مرت الأيام والأيام ... وتلتها السنوات فالسنوات
وما زلت أنا والأصفاد كـ" الصنوان "
ملازمة والتصاقاً ...
وصرت أكثر كره لها ! وقد خلت نفسي سأعتادها !
لكنني – وبكل صدق – فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً ...
وصارت هي أشد قسوة وأكثر عدداً !
وكأني بها تتناسل !

ثم بلغت الأربعين ... فحان موعد الرشد
وطوقني سؤال واحد :
إلى متى ؟
سؤال من كلمتين ؛ يحمل معاني كثيرة ...
بل يلخص حياتي كلها ...
بحلوها ومرها ...  – إن كان فيها حلو أصلاً –

إلى متى ... أظل أسيراً للأصفاد ؟
وحتى متى أجمعها في " سلة واحدة " ؟
أيعقل أن تكون " الأوامر والنواهي " بمنزلة " العادات والتقاليد " ؟
أتستوي " الأحلام والأماني " بـ " الشهوات والأهواء " ؟
أمنزلة " نية الخير" بـنقيضها "  نية الشر " ؟

لا ... وربي ... لا يستويان ؛
والعبرة بمآلهن وما يحملنه لصاحبهن ...
فلا نساوي من تحمل في جوفها " المن والسلوى "
-        وإن كانت تقيد صاحبها وربما تؤلمه -
بمن تطرح صاحبها على وجهه في " النار "
-        ولو جاءت في صورة لذة فائقة ومذاق شهي –

وبين هذا وذاك تقف الأصفاد " المشتبهات "
" ومن أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "


وبما سبق ؛ أدركت – متأخراً –
أن من الأصفاد ... ما خالفت اسمها ...
تمنعك عما يضرك ؛ وتزهدك بما لا يسرك
طلباً لخالص " حبورك "
تقودك للـ " جنة " ؛ وتبعدك عن " النار "
بحثاً عن صادق " حريتك "

فصارت :

{ أصفاداً للحرية }.

تمت بحمد الله.

31 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق