جريحٌ (عادل) ؛ ولم يكن فيما مضى سوى كذلك ؛
وله في كل مرة طريقة عجيبة -وإن تكررت- في مداواة جرحه ؛
تتلخص في طقوس ٍتصاحب تدوينه وَصْفَ نزفه ؛
وتتمثل في طريقةٍ لتضميد جرحه بريشته ومحبرته !
فمن طاولة صغيرة أسفل نافذة غرفته البسيطة ؛
لكوبٍ صَبُغَ لونه الأبيض بلون القهوة القاتم ؛
وريشة ورثها عن جده ؛ ومحبرته التي أهداها له والده ...
وأكثر ما يحرك شجنه ؛ حديقة مجاورة ؛ صغيرة ؛ أنيقة
تبعد دون مدِّ بصره فيراها من خلال نافذته ؛
وذكرىً تجمعه بمن كانت هواه وسلواه ؛ عشقه ومأواه ؛
تلك الجميلة (بنان).
مساء هذا اليوم ؛ وقد اكتمل القمر بدراً
واعتصر صاحبنا ألماً ؛ وحضر كوب القهوة
وامتلأت محبرته ؛ وأمسك بريشته
فتكاملت أدوات التطبيب واكتملت عناصر الضماد
إلا أن المسكين طفق يحدق في كوبه الممتلئ
فلأول مرة ؛ لم يستطع أن يكتب حرفاً واحداً
وأخذ يحاول تسلية نفسه ؛ بأن يتساءل هل بردت قهوته !
مع أنه ما يزال يرتشف من كوبه رشفات متثاقلة
لكنه مخيف جداً هذا الإحساس ؛ بل مرعب أكثر
أن يُجرح قلبك ويتألم ؛ ويعجز لسانك أن يتأوه ويعبر !
فأخبره بربك ؛ ما ذا يفعل ؟
لماذا يا (بنان) ؟
وأين ذهبت تلك الرقة وذلك الحنان !
أكل ما مضى وهم ! أم ذهب مع خبرٍ كان ؟
وجميع ما قلتيه لي كذبٌ ! أم مسايرة للعمر والزمان ؟
لا ... لم يجبرك أحدُ ؛ أن تحبي (عادل) الإنسان
وتشعلي في قلبه ما توهمه قد خمد من بركان
حينما كانت أول عبارة قلتيها لي وقد طال صمتك واستكان :
" عادل أخبرتني بأنني وردة حسناء ؛
وأخبرتك بأنني أرتوي من نبع حبك ؛
فلا تجفف سواقيك ؛ لئلا تذبل وردتك ! "
فما الذي تغير الآن ؟
كانت الحديقة إياها ملتقانا ؛
وقبيل الخامسة عصراً موعدنا ؛
وتحت عمود الإنارة مجلسنا ؛
وذلك الكرسي المغطى بجلد مهترئ مقرنا ؛
والوجبة الخفيفة من بوفيه (لذائذ) غداؤنا ؛
والحارس – العم صابر – عيننا الثالثة ومندوبنا ؛
واللقاء فالبسمة والتحية ثم نظرات الأعين برنامجنا ؛
وحتى السادسة والنصف أمدنا ؛
وثلاث سنوات كاملة عمر حبنا ؛
ثم تأتي لتسألي وبكل برود :
(عادل) أين كنا ؟
مهلاً (بنان) ولنغير السؤال :
أتتذكرين أول عتب بيني وبينك ؟
إن لم تكوني تفعلي ؛ فانا –على خلافك- ما زلت أفعل
لا لشيء –الآن- ؛ بل لأنني –وقتها- .. قد أحببتك
كان ذلك بعيد سفرك ؛ وقد اشتعل قبله –بأسابيع- في قلبي حبك
فجأة ؛ وبدعوى طول المقام وروتين الحال .. صعقتيني بخبرك :
" عادل ؛ يا حبيب القلب أنا مسافرة لأمدٍ وللشمال " !
تظاهرت بالتماسك ؛ ولنفسي أقنعت ؛ حينما دوّنت : " غابت فاتنتي بجسدها ..
فشمت الحساد -وما أكثرهم- وترقبوا هلاكي .. وما علموا -ويا لجهلهم- أنها معي :
فصورتها في عيني , وصوتها في أذني , وريحها بأنفي , وقلبها في يدي ,
وروحها امتزجت بروحي ؛ فقولوا بربكم : ماذا بقي ؟ "
وعُدتِ ... يا من كنت أدعوها بعذبة الـ (جنان)
فأزهرت الدنيا ... وطفقت أصرخ : ها قد رجعت لي (بنان)
وكأنما نفخت الروح في الأركان
وعاد الحبور للقلب والبسمة للشفاه والذوق للسان
فما أجمل اللقيا ؛ بعد أول غياب ونادر خصام !
وما أعذب اللقاء ؛ لصادقِ العشق وصافِ الغرام !
وكعادتي لم أع الدرسَ ولم أفطن لسؤالك الحسام :
" (عادل) : سألت نفسي لم أحبك ؟
فأجبت {نفسي} : لصدقك وشهامتك وأدبك وظرفك ...
بل ... قاطعتك بـ: إنما يكفيني أنني أحبك ! "
نعم ؛ أحببتك وإني على ذلك غير ملام ؛
وزدت على ذلك والله ؛ فلم أكتفِ بحبك ؛
إذ – اعترف بأنني - أدمنت حبك ؛
وكل ما جرى يؤكد :
أنني قد فعلتُ وأنك –أيضاً - قد فعلت ِ
فالمتعة بلقائك ؛ والأنس بكلامك
اللذة برؤيتك ؛ والسعد عند رضائك
القلب متيم بك ؛ والروح تشتاق وهي معك ؛ لك
الفكر معلق فيك ؛ والعالم أجمع مختصر بك
ولا أظن أنني كنتُ لك ِ فيما سبق ؛ دون ذلك
فأي ذنبٍ اقترفته ؛ لأصطدم ... بجملتك ؟
أجل ؛ هي جملة ! و... قلتيها ؛
لكنني شعرتُ - كما كنتُ دوما –
بأنك ولا ريب – كنت ِ- تعنيها !
حينما - وبكل ثقة وأمامي - كررتيها ؛
أناني ... أنتَ !
لا ليس أنت ِ ؛ إنما – ويا للسخرية - أنا !
كيف ؛ ومتى ؛ ولمَ ؟
وما الدليل على ما وصمت به ؛ يا ترى ؟
وأي ذنب اقترفته ؛ بل ما الذي جرى ؟
أم مقدر عليَّ نكأ جرح توهمته قد برى !
لست – والله – بالمصدق ولعلي كابوساً أرى !
يقال : بأن لكل منا يوم مولد !
وأننا لا يمكن أن ندرك ولو جزءً منه ؛
لكنني – وهماً لا حقاً- على خلاف ذلك !
فمولدي كان يوم عرفتك يا حبيبتي ؛
وكل تفاصيله بين قلبي وفكري !
ولم أتخيل ولو في أضغاث أحلامي ؛
أنه سيأتي زمن فيه أسأل :
لم رحلتِ ؟ لمَ لمْ تودعيني ؟
لم نسيتني ؟ لم ضيعت عهدي ؟
ثم تناسيت وعدي ؟
أجيبي عن واحدة ليرتاح قلبي !
أي (بنان) ... يا ملاكاً في صورة إنسان
يا ذات الدُّلِ ؛ والرقة ؛ والدعة ؛ والدلال
يا من عشقت روحها حتى خلتها من الحور الحسان
أما وقد وضعت مذاك في قفص الاتهام
وتجاوز الأمر فأصبحت بنظرك اليوم مدان
اسمحي لي أن أدون اعترافاً ؛ يدونه صحيح العقل جليَّ البيان
وليس أقوى من الإقرار سيداً في الأدلة وعمدة وبرهان
إن كان ما تطلبه الفتاة - من حبيبها - الأمان
فكذلك لا قيمة لـ - حب رجل لأنثى - بلا حنان
وبيدك دككت برج حلمي ؛ فأضحى بقية من ركام
أعلمت الآن : كم أنت قاسية يا جميلتي (بنان) ؟
أعلمُ بأنني لستُ بالخب ؛
لكن ما صرتِ تتجاهليه أنني قد ولدتُ بقلب ٍ!
وأعلمُ بأنكِ - ولا شكُ - ستأتي لحديقة حبنا ؛
تذكراً لماض ٍ ؛ ومعاودة لحنين ٍ!
تلذذاً بعفوي عشق ؛ أو بكاءً على خالص ود ؛
وأؤكد لك ؛ أنني قد قمت بذلك ؛ كما أنك الآن قمتِ !
لكنني ؛ لم أجد رسالتك في حشوة المقعد ؛
وقد مات العم (صابر) ! فانقطعت بذلك وشائج الحب !
لا ؛ لا .. ثقتي ؛ بأنك قادمة لا محالة ؛
ولذلك أكتب لك رسالتي هذه ؛ وأختمها بأنني كنت هنا !
وكان فعلٌ ماضِ ٍ؛ وما مضى لا يعود ...
وأتت (بنان) ؛ عند تمام السابعة قدمت !
وقد تدثرت بمعطف فروٍ يقيها برد الشتاء ؛
جاءت مسرعة ؛ تنظر يميناً ويسرةً !
تبحث عن وجهٍ تعرفه ؛ بل لنقل تعشقه ؛
وجاهدت لتدلف الحديقة ؛ والزوار منصرفون !
وقصدت ذلكم الكرسي ؛ والحارس من خلفها يناشدها :
" سيدتي ؛ سيدتي ؛ أرجوك ؛ حل المساء وأقفلت الأبواب " !
فلم تبالي ؛ وهي تدس يدها لتخرج الرسالة ؛
وبأعين دامعة ؛ قرأت الأسطر ؛ واستعجلت الخاتمة !
لتصرخ فجأة : " (عادل) أرجوك سامحني " وكأنما رأت خياله ؛
فحاولت اللحاق به ؛ لكن هيهات فـ(عادل) مر من هنا ؛ ومضى ..
فحاولت اللحاق به ؛ لكن هيهات فـ(عادل) مر من هنا ؛ ومضى ..
- تمت بحمد الله -
11 التعليقات:
السلام عليكم ...
وتمت الخاطرة ؛ وفيها ما فيها ؛ من خيال وصدق ؛ وإحساس وربما أكثر ...
اعتذر بشدة عن التأخر ؛ وأشكر جميع من شرفني بالمرور ؛ مع تقديري وشكري وامتناني ؛ لكل أحبتي ...
... سعود.
الله يوفقك سعود ويسعدك انت رائع واسلوبك وقلمك يستحق الشكر فلك مني جزيل الشكر والتقدير والاحترام
اختك الواثقه بالله
نوووووووووفاااا
الكريمة " الواثقه بالله " :
حييت من زائرة بهية ؛ وسعدت جداً بكريم خلقكم ؛ ولطيف قولكم ؛ وحسن ظنكم ؛ وأتمنى بحق أن تبقوا أهل دار للمدونة على الدوام ؛ ولا تبخلوا على أخيكم بنصحكم وتوجيهكم ...
امتناني وتقديري ...
ماشاء الله ... في دواخلك ألم !! أو هكذا أشعر .. من خلال مفرداتك ، أو انتقائك للمواضيع
لكن جميل أن يكون القلم أحد الأدوية الفعالة ...وأبرع أدوات التضميد
الله ييسر أمورك
شكرا لك
شكرا لقلمك
أختي " مدونة مراجل أنثى " :
حياك الله وبياك ؛ وكعادتك تكونين من أوائل من يشرفني بتوقيعه على ما أدرجه من خواطر جديدة ...
والشكر لله ؛ ثم لك ...
شكري وامتناني ...
السلام عليكم...
فعلا فما مضى لا يعود
ومن مضى ايضا لا يعود
وماهي الا أوهام تعشش بالقلوب وتصل الى العقول
فتبقي الروح معلقة
والحقيقة مُرة تؤجج براكين في دواخلنا
فلماذا كل هذا العناء؟؟
لنغلق ابواب تلك القلوب ونحكم اغلاقها
فلا يستطيع فتحها الا من يستحقها هذا ان وجد
وسأمضي ولن أعود...
رائع وجميل ماخطته اناملك هنا وان كان يحمل من الالم الكثير...
تقبل مروري...
آآآآآآآه ثم آآآآآآآه من هذه الكلمات ..
أخي الحبيب سعود ..
احترت كثيييرا .. قبل أن أعلق على هذه الرائعة من روائعك التي عودتنا عليها .. لكن هذه المرة ليست كغيرها ..
نعم! هذه المرة كنت أقرأ كلماتك .. وأسمعها في نفس الوقت .. بل وأشعر بدموع الألم تنساب بين حروفها ..
بأي حبر كتبت هذه الحروف؟ ...
وبأي مشاعر صغتها؟ ..
لقد قرأتها مرارا وتكرارا .. وفي كل مرة أقرر ألا أعلق عليها .. لأنني ببساطة لا أستطيع أن أجاري أسلوبك البليغ ..
لا أدري على ماذا أعلق! .. على فن التصوير الذي ابدعتم فبث في كلماتك الروح والحياة .. فصارت أجسادا تتحرك .. أم تلك الحروف التي كسرت كل قواعد النحو والصرف .. فما باتت تؤمن بالسكون وأصبحت كلها متحركة ..
أوافقك تماما .. أن ريشتك ومحبرتك هي أدوات الطبيب..
ولكن أي طبيب؟ إنه طبيب الروح والمشاعر..
حقيقة أقولها .. لم تسعفني الكلمات لأعبر لك عن إعجابي بما خطه قلمك .. وأملته مشاعرك الجياشة ..
فأسلوب الحوار بين عادل وبنان كان رااائعا فبرغم الكلمات اللطيفة والرقيقة بينهما في مرحلة ما والتي تتحول إلى كلمات ألييمة وحزيينة في مرحلة أخرى جعلتني أعيش القصة وكأنني أشاهدها فلما..
كما أن الوزن والسجع أضاف للحوار رونقا وتألقا ..
أما إبداعك في صياغة بعض العبارات فهذا موضوع آخر .. لا يحق لإمثالى أن يتطفل ويعلق عليه ..
ولكن اسمح لي خي سعود أن أبدي إعجابي ببعض ما ورد في رائعتك في هذا المجال.. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
قلت انت:
"إن كان ما تطلبه الفتاة - من حبيبها - الأمان
فكذلك لا قيمة لـ - حب رجل لأنثى - بلا حنان"
أقول أنا:
"جزالة الحرف وروعة المعنى هنا يتعانقان"
قلت أنت:
"وقد مات العم (صابر) ! فانقطعت بذلك وشائج الحب !"
وأقول أنا: هل للعم (صابر) هنا دلالة غير الإسم؟! فأجيب جازما: نعم بدليل إنقطاع وشائج الحب بوفاته ..
قمة الإبدااااع والتحكم في الحروف والكلمات ..
أهنئك أخي سعود على هذه التحفة الرائعة .. فلا تحرمنا من إبداعاتك .. فقد أصبحت مدمنا عليها .. فرفقا بمن أدمن إبداعاتك ..
واعذرني على هذه الخربشات التي شرقت فيها وغربت .. إلا أن حروفي ابت إلا أن تفضح بضاعتي المزجاة وتثبت أنني غير مؤهل لإعلق على تحفتك الرائعة..
ولكن ظننا بأمثالكم ممن يتسع صدره لخربشاتنا..
دمت سالما ومبدعا..
أخوك أبو زياد
رااااائع
ماشاء الله عليك
ليستمر ابداعك
سر فلا كبا بك الفرس
أخيتي " حالمـــــــة " :
وعليكم السلام ؛ مرحباً بها من زيارة ...
أي نعم ؛ ما مضى ومن مضى لن يعودا ؛ لكن على رسلكم ... لم أسميتم أجمل إحساس ؛ وأعذب شعور ؛ وأسمى عاطفة ... بأنه وهم ؟ ثم زدتم على ذلك بنصيحة قاسية مفادها أن يغلق المرء قلبه ؛ لضعف احتمال أن يجد من يستحقه !
قلتم :(رائع وجميل ماخطته اناملك هنا وان كان يحمل من الالم الكثير...)
وأقول : الأجمل والأكرم ؛ مروركم وتوقيعكم ...
مرحباً بكم ؛ وحياكم.
ودي وشكري.
أخي " أبا زياد " :
مرحباً بك ... وتشرفت بتوقيعك ... واسمح لي أن اسألك : ما الذي طرزته من إبهار يا رجل ؟
قرأت ردك مرة ومرتين وثلاث ؛ وتساءلت أهذا توقيع ؟ أم هي قراءة نقدية ؟ أم نصيحة وتوجيه ؟
وقد أحرجني ثناؤك ؛ حتى تصاغرت أمامه ؛ وتملكتني الحيرة ؛ أحقاً هذا قلمي ؛ أصحيح تلك مشاعري ؟
أمر آخر ؛ إن كانت بضاهتك مزجاة ؛ فبضاعتي بجانبها كاسدة ؛ فرفقاً بأخيك ؛ وحنانيك بمحبك ...
وأخيراً : ثق أبا زياد ؛ بأن وجود أمثالك ؛ يقرأ لقلمي البسيط ؛ شرف لصاحبه ؛ وفخر لحامله ؛ ونعمة أتمنى أن أشكرها ؛ فكن عن قرب ؛ يا فاضلي ...
ودي ومحبتي وامتناني.
الحبيب " azez " :
حياك الله من أستاذ مفضال ؛ ولا تعلم عن سروري برؤية اسمك ؛ وأتمنى اليوم أن أسعد برؤيتك ؛ وقد فرقتنا الأماكن وباعدتنا الأيام ؛ والقلب مثقل بالشوق ؛ والروح محملة بالاشتياق ؛ فلا تتأخر علينا ...
تقديري وحبي.
إرسال تعليق