2011/05/10

ومضى ...



جريحٌ (عادل) ؛ ولم يكن فيما مضى سوى كذلك ؛
وله في كل مرة طريقة عجيبة -وإن تكررت- في مداواة جرحه ؛
تتلخص في طقوس ٍتصاحب تدوينه وَصْفَ نزفه ؛
وتتمثل في طريقةٍ لتضميد جرحه بريشته ومحبرته !
فمن طاولة صغيرة أسفل نافذة غرفته البسيطة ؛
لكوبٍ صَبُغَ لونه الأبيض بلون القهوة القاتم ؛
وريشة ورثها عن جده ؛ ومحبرته التي أهداها له والده ...
وأكثر ما يحرك شجنه ؛ حديقة مجاورة ؛ صغيرة ؛ أنيقة
تبعد دون مدِّ بصره فيراها من خلال نافذته ؛
وذكرىً تجمعه بمن كانت هواه وسلواه ؛ عشقه ومأواه ؛
تلك الجميلة (بنان).

مساء هذا اليوم ؛ وقد اكتمل القمر بدراً
واعتصر صاحبنا ألماً ؛ وحضر كوب القهوة
وامتلأت محبرته ؛ وأمسك بريشته
فتكاملت أدوات التطبيب واكتملت عناصر الضماد
إلا أن المسكين طفق يحدق في كوبه الممتلئ
فلأول مرة ؛ لم يستطع أن يكتب حرفاً واحداً
وأخذ يحاول تسلية نفسه ؛ بأن يتساءل هل بردت قهوته  !
مع أنه ما يزال يرتشف من كوبه رشفات متثاقلة
لكنه مخيف جداً هذا الإحساس ؛ بل مرعب أكثر
أن يُجرح قلبك ويتألم ؛ ويعجز لسانك أن يتأوه ويعبر !
فأخبره بربك ؛ ما ذا يفعل ؟

لماذا يا (بنان) ؟
وأين ذهبت تلك الرقة وذلك الحنان  !
أكل ما مضى وهم ! أم ذهب مع خبرٍ كان ؟
وجميع ما قلتيه لي كذبٌ ! أم مسايرة للعمر والزمان ؟
لا ... لم يجبرك أحدُ ؛ أن تحبي (عادل) الإنسان
وتشعلي في قلبه ما توهمه قد خمد من بركان
حينما كانت أول عبارة قلتيها لي وقد طال صمتك واستكان  :
" عادل أخبرتني بأنني وردة حسناء ؛
وأخبرتك بأنني أرتوي من نبع حبك ؛
فلا تجفف سواقيك ؛ لئلا تذبل وردتك ! "
فما الذي تغير الآن ؟

كانت الحديقة إياها ملتقانا ؛
وقبيل الخامسة عصراً موعدنا ؛
وتحت عمود الإنارة مجلسنا ؛
وذلك الكرسي المغطى بجلد مهترئ مقرنا ؛
والوجبة الخفيفة من بوفيه (لذائذ) غداؤنا ؛
والحارس – العم صابر – عيننا الثالثة ومندوبنا ؛
واللقاء فالبسمة والتحية ثم نظرات الأعين برنامجنا ؛
وحتى السادسة والنصف أمدنا ؛
وثلاث سنوات كاملة عمر حبنا ؛
ثم تأتي لتسألي وبكل برود :
(عادل) أين كنا ؟

مهلاً (بنان) ولنغير السؤال :
أتتذكرين أول عتب بيني وبينك ؟
إن لم تكوني تفعلي ؛ فانا –على خلافك- ما زلت  أفعل
لا لشيء –الآن- ؛ بل لأنني –وقتها- .. قد أحببتك
كان ذلك بعيد سفرك ؛ وقد اشتعل قبله –بأسابيع- في قلبي حبك
فجأة ؛ وبدعوى طول المقام وروتين الحال .. صعقتيني بخبرك :
" عادل ؛ يا حبيب القلب أنا مسافرة لأمدٍ وللشمال " !
تظاهرت بالتماسك ؛ ولنفسي أقنعت ؛ حينما دوّنت : " غابت فاتنتي بجسدها ..
فشمت الحساد -وما أكثرهم- وترقبوا هلاكي .. وما علموا -ويا لجهلهم- أنها معي :
فصورتها في عيني , وصوتها في أذني , وريحها بأنفي , وقلبها في يدي ,
وروحها امتزجت بروحي ؛ فقولوا بربكم : ماذا بقي ؟ "

وعُدتِ ... يا من كنت أدعوها بعذبة الـ (جنان)
فأزهرت الدنيا ... وطفقت أصرخ : ها قد رجعت لي (بنان)
وكأنما نفخت الروح في الأركان
وعاد الحبور للقلب والبسمة للشفاه والذوق للسان
فما أجمل اللقيا ؛ بعد أول غياب ونادر خصام !
وما أعذب اللقاء ؛ لصادقِ العشق وصافِ الغرام !
وكعادتي لم أع الدرسَ ولم أفطن لسؤالك الحسام :
" (عادل) : سألت نفسي لم أحبك ؟
فأجبت {نفسي} : لصدقك وشهامتك وأدبك وظرفك ...
بل ... قاطعتك بـ: إنما يكفيني أنني أحبك ! "

نعم ؛ أحببتك وإني على ذلك غير ملام ؛
وزدت على ذلك والله ؛ فلم أكتفِ بحبك ؛
إذ – اعترف بأنني - أدمنت حبك ؛
وكل ما جرى يؤكد :
أنني قد فعلتُ وأنك –أيضاً - قد فعلت ِ
فالمتعة بلقائك ؛ والأنس بكلامك
اللذة برؤيتك ؛ والسعد عند رضائك
القلب متيم بك ؛ والروح تشتاق وهي معك ؛ لك
الفكر معلق فيك ؛ والعالم أجمع مختصر بك
ولا أظن أنني كنتُ لك ِ فيما سبق ؛ دون ذلك
فأي ذنبٍ اقترفته ؛ لأصطدم ... بجملتك ؟

أجل ؛ هي جملة ! و... قلتيها ؛
لكنني شعرتُ - كما كنتُ دوما –
بأنك ولا ريب – كنت ِ- تعنيها !
حينما - وبكل ثقة وأمامي - كررتيها ؛
أناني ... أنتَ !
لا ليس أنت ِ ؛ إنما – ويا للسخرية - أنا !
كيف ؛ ومتى ؛ ولمَ ؟
وما الدليل على ما وصمت به ؛ يا ترى ؟
وأي ذنب اقترفته ؛ بل ما الذي جرى ؟
أم مقدر عليَّ نكأ جرح توهمته قد برى !
لست – والله – بالمصدق ولعلي كابوساً أرى !

يقال : بأن لكل منا يوم مولد !
 وأننا لا يمكن أن ندرك ولو جزءً منه ؛
لكنني – وهماً لا حقاً- على خلاف ذلك !
فمولدي كان يوم عرفتك يا حبيبتي ؛
وكل تفاصيله بين قلبي وفكري !
ولم أتخيل ولو في أضغاث أحلامي ؛
أنه سيأتي زمن فيه أسأل :
لم رحلتِ ؟ لمَ لمْ تودعيني ؟
لم نسيتني ؟ لم ضيعت عهدي ؟
ثم تناسيت وعدي ؟
أجيبي عن واحدة ليرتاح قلبي !

أي (بنان) ... يا ملاكاً في صورة إنسان
يا ذات الدُّلِ ؛ والرقة ؛ والدعة ؛ والدلال
يا من عشقت روحها حتى خلتها من الحور الحسان
أما وقد وضعت مذاك في قفص الاتهام
وتجاوز الأمر فأصبحت بنظرك اليوم مدان
اسمحي لي أن أدون اعترافاً ؛ يدونه صحيح العقل جليَّ البيان
وليس أقوى من الإقرار سيداً في الأدلة وعمدة وبرهان
إن كان ما تطلبه الفتاة - من حبيبها - الأمان
فكذلك لا قيمة لـ - حب رجل لأنثى - بلا حنان
وبيدك دككت برج حلمي ؛ فأضحى بقية من ركام
أعلمت الآن : كم أنت قاسية يا جميلتي (بنان) ؟

أعلمُ بأنني لستُ بالخب ؛
لكن ما صرتِ تتجاهليه أنني قد ولدتُ بقلب ٍ!
وأعلمُ بأنكِ - ولا شكُ - ستأتي لحديقة حبنا ؛
تذكراً لماض ٍ ؛ ومعاودة لحنين ٍ!
تلذذاً بعفوي عشق ؛ أو بكاءً على خالص ود ؛
وأؤكد لك ؛ أنني قد قمت بذلك ؛ كما أنك الآن قمتِ !
لكنني ؛ لم أجد رسالتك في حشوة المقعد ؛
وقد مات العم (صابر) ! فانقطعت بذلك وشائج الحب !
لا ؛ لا .. ثقتي ؛ بأنك قادمة لا محالة ؛
ولذلك أكتب لك رسالتي هذه ؛ وأختمها بأنني كنت هنا !
وكان فعلٌ ماضِ ٍ؛ وما مضى لا يعود ...

وأتت (بنان) ؛ عند تمام السابعة قدمت !
وقد تدثرت بمعطف فروٍ يقيها برد الشتاء ؛
جاءت مسرعة ؛ تنظر يميناً ويسرةً !
تبحث عن وجهٍ تعرفه ؛ بل لنقل تعشقه ؛
وجاهدت لتدلف الحديقة ؛ والزوار منصرفون !
وقصدت ذلكم الكرسي ؛ والحارس من خلفها يناشدها :
" سيدتي ؛ سيدتي ؛ أرجوك ؛ حل المساء وأقفلت الأبواب " !
فلم تبالي ؛ وهي تدس يدها لتخرج الرسالة ؛
وبأعين دامعة ؛ قرأت الأسطر ؛ واستعجلت الخاتمة !
لتصرخ فجأة : " (عادل) أرجوك سامحني " وكأنما رأت خياله ؛
فحاولت اللحاق به ؛ لكن هيهات فـ(عادل) مر من هنا ؛ ومضى ..

- تمت بحمد الله -

11 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق